الثلاثاء، 7 يناير 2020

الشاعرعبد الزهرة خالد : مجلة اقلام بلا حدود : منتدى اصدقاء اقلام بلا حدود © ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .حقوق النشر والتوثيق محفوظة © 2020




نصوص أدبية شعرية



قنبلة النسيان
 على الكرسي الخشبي في مقدمة الصالة تحت الشاشة البيضاء الكبيرة ، الأضواء تتشاجر فيما بينها عن أعداد الداخلين وعبدالوهاب يصدح ( هو افتكرني عشان ينساني ) يعد الدقائق لإنطفاء المصابيح وتبدأ سلسلة الأحداث على الحصن والقرية الخشبية والبنك الوحيد المنتصب بين أعمدة الطريق يحرسه مسدس ذو بكرة تدور الرصاصات ( الخلب )بين ثقوبه.

 ما عاد موضوع الفلم يهمه بقدر الدراهم التي أكلت ( اللفة ) والصافرات المنبثقة من شفاه الوقحين بينما هو لا يعرف كيف يضع أصابعه بين شفتين كي يطلق صافرته المملوءة بالهواء الرطب . لو يسأله البواب - الحاجب - عن بطاقته الزرقاء دون تسلسل المقعد فأنه يختار مكانه بعيدا عن الستارة التي تغطي ضوء أواخر النهار .
 عرف النهاية والبداية عن إعلانات الأفلام القادمة والمضمون السرعة ودقة التصويب ، لم يسأل الطفل الذي يجلس على اليمين ولا الذي يقشّر لبّ الحب ، ولا الخلف لأنهم يراقبون طول الرقبة كي لا تحجب صورة البطل المهرول وراء الفتيات دون أن تنهره أحداهن . تذكر بعد نهاية العيد هي نهاية العطلة الربيعية ونهاية رصيد عيديته ويبقى جيبه خالياً إلا من أقلام الألوان القصيرة المعجبة كثيراً بخريطة الوطن وتعرف طرق السكك والأنهار وحركة السيارات من وإلى العاصمة ، لكنه نسي مستقبله بحدود حجم بدنه الهزيل ليعاون أباه في حمل جعبته للرحيل إلى الشمال ليدافع عن الوطن وانتقلت مسؤولية حماية الدار على عاتقه بينما أخوه ينعم بلعبته التافهة وصور اللاعبين البالية والخرز متعددة الألوان ويضحك على تنوع قوس قزح البارز في جوف ( الدعبلة ) كأن الصحراء تسير بين الجبال والهضاب حين يرى من بعيد نقطة متوهجة تعبر عن رجلٍ آلي تائه بين الظلال . 
 صور تعددت لكن الأسماء اختفت من الذهن نتيجة خيانة الذاكرة اللعوب في مزاجه حيث تكثر من النسيان هذه الأيام . قبل أن يستقل الباص مع حاملي العلم العراقي اختار مقعداً يشبه مقعد السينما ، لم يخطر في نبوءته أن يوماً سيتذكر طفولته في شيخوخته لأن القاعدة هنا العمر لا يتجاوز العشرين إلا الذين يملكون بيوتاً فيها سيوف لامعة وقطرات من ذهب تقطر من تحت ( الحِب ) البارد القابع وسط الحوش معلق في رقبته كوز من ( خوص وقير ) .. حتى يصدر الرعاع وسائقنا ولد سمين ينتظر الانطلاقة الأولى كي يهنأ بالغفو على زجاج الباص دون أن يسمع اللغو ومضغ اللفات . 
آخر ما سمع أن أحدهم أوقظه يا شيخ قمْ هنا بغداد ..
 فزع راغباً مسرعاً ليسبق الشباب لكنه لن يفيق إلا بين جدران ملساء بيض وقد أنكب فوق أنفه قناع الأوكسجين ، 
تذكر أن قنبلة الدخان سقطت أمامه قبل ساعات وتشظت من باله الأحلام .


........................................................................

قل كلّ يعمل على شاكلته
 لكلّ عمل نية وإصرار وإنجاز ، بعد ذلك الهدف والغاية يوازيان صاحب العمل في قدرته لتحقيق ما يريده ربما يسعده أو يشقى بعد تنفيذه .

 لا أريد من المقدمة أن تطرح موضوعاً فلسفياً أو اجتماعياً بقدر ما هو ردة فعل عاطفية لبعض الأعمال الإنسانية على الأرض ومدى ديمومتها بصورة أفقية وعمودية ضمن خارطة طريق الحياة .
 صورة تثير الحروف وتتلاطم على حافات السطور عندما ترى الشاب الذي يرتدي ثوبه المجفف لحد الكسر على خواصره وهو يروم إزاحة الطين اللاصق على عجلات عربته ليسهل عليه دفعها كي يزيد ربح التجار ، 
الطامة الكبرى ، زوجته تنتظر عودته بلهفة لأنّها بداية المخاض .
أدور العدسة نحو اليمين ، 
 -صورة فيها كاتب يملأ قلمه مداداً سيسطر الحروف لأجل إرضاء الرئيس تارةً يمزق القصاصة لوجع الضمير وتارةً يرمي السطور في سلة الانتماء . 
 -استيقظ ميتٌ فجأةً وجدَ جثته على دكة الوطن الجريح ، هدأ من روعه الكفن الأبيض لأنه مسالم ومحايد في كلّ الحروب فهو يمشي مع منْ يموت .
 -منْ يقطفُ ثمار الحروب في زمن السلام غير حاشية الرئيس فهم الذين يسيرون وراء تنفيذ قرارات فوارغ العتاد والرئيس يقضم أضافره ندماً عندما يوقع الهدنة . 
-كنتُ أظنّ أن الأغصانَ تكره الطيور من كثرة ما تنقله الثمار  عنهم والأوراق توسوس في آذان البراعم بل كاد الظلّ يطفر إلى بيت الجذور ويعاشر النمل.
 -تشجع الوزير بالسير لوحده في شوارع المدينة عندما خلع بدلته الأنيقة وترك حراسه على النهر يصيدون بالماء العكر ويعود بباقة فجل إلى مكتبه هدية من أرملة بينما كرسيه يقف على رجل واحدة معاقباً من سيادة المنظف . 
-ترك الضحية ( القربان ) وصيةً لأخوته بأن يحلّقوا رقابهم ليسهل السلخ على الجمهور  بينما هو لم يسيطر على قرونٍ ظلّتْ تنطح جدران التعليق.
 -جاور الجبل ذات شيخوخة مبكرة يروم الوصول إلى الله بعيداً عن أنظار أمه لكنه لا يملك سجادةً ولا فريضة .
 -كم هي فرحة رمال الحدود غامرة عندما تغدو القافلة نحو غزوة جديدة لكسب الجواري ربما تسدُّ النقص الحاصل في حبوب منع الحمل نوافذ التهريب ، لذا أظن أن أصل بعض العرب المعاصرين هم من الجواري اللواتي جلبهن أجدادهم .
-في ليلةِ القدر سرقَ شيخنا التابوت من بيت الله ليحرق الموت فيه.
-عجبت من جدارٍ يشيع آخر بقعة من ظلٍّ كان يحتمي بها من شمسٍ عنيدة .
 -يسعى لفك أزرارَ قميصه البالي ليتحسس إنحناءة كبريائه اللاصقة على صدره الحزين مذ ولادته القيصرية . 
-كان يعد العدة لتجاوز  مراهقة عقله الذي لا يعرف كيف يتلو حرف الباء قبل أو بعد الحاء في زمن الحرب .


...................................................................

رسالة إلى حرائق الامازون


 إنها ليست رسالة غزل أو رسالة واسطة لغرض التعين "حارس شخصي" لأحد الحيوانات المفترسة ، بل هي سيل من عتاب يجرّ الخيبة وراء الدخان وأهله . أنا شيخ كبير وهذا قلمي قليل المداد يميل إلى اللون الباهت والخافت في كلّ الأحوال لا ينفعني في عتمة السؤال والردّ على الجواب . 
بعد التحية والسلام عزيزتي الغابة أسأل عن أحوال الظلال ومجرى الأنهار  هل هناك أولاد يدرسون بين ثنايا الأغصان هل هناك مشاكسون ويقطعون حديث البلابل والببغاوات الملونة بقوس قزح ، هل يزوركم الخريف مرة سنويا كما يفعله ببلدان العالم إلا في وطني وجد له موطئ قدم ، هل تمرّ من شوارعكم شاحنات تجار الجملة والمفرد لبيع الأقراص المخدرة والمدمجة ، أين يقطن سكانك الأصليون . 
 عزيزتي غابة الامزون يبدو في أواخر عمري أني أكرهُ السياسة والجغرافية والتأريخ والوطنية ، لأنها تذكرني في الامتحانات يوم كنت أبحث عن عمود ضوء أقرأ تحته في ليل يعج بصوت الضفادع ، وأمقت أن أسمع الحديث والحوار بشؤون الدين والتراث والمدنية ولم تشدني أخبار الحوادث والتوقعات المستقبلية لهذا وذاك سواء شبّت الحرائق من جديد أو خمدت . الجميل في أنباء الحريق أن يشمل الأدغال والعشب المتطفل على الشجر المتجذر قرب ضفاف النهر الصامد بوجه ألسنة اللهب والسعير ، والأجمل هو أن يقع خبر الحريق على لسان جميلة تنقل أو تزّف الخبر إلينا ويطفأُ الحريق ذلك التزويق وصناعة الملامح التجميلية عبر صالات الأخبار الملونة وتحمل أهداباً اصطناعية ، فهي لا تبكي على غزالٍ نافق خشية سقوط الأهداب والوجوه الباسمة يجعلك على يقين بأن الخسائر مادية لا بشرية يعني ( بالريش ) ، 
 فلا شك أننا لا نحتاج إلى دلائل طالما الوجه الجميل الظاهر للعيان على الشاشة هو المتحدث الرسمي عن الغابة ، بينما المراسل يلحن حديثه بالحاكية والمصور هو المعني في نقل الحدث مباشرة ويبقى الصوت أحيانا كالموسيقى التصويرية للفلم المعروض على رأس الساعة من كلّ يوم .
 ثمة مشكلة هو الثمن طبعاً يقبضون الثمن نقدا أو صكاً مقابل الصوت والصورة لكننا لم نقبض أثمان الأمراض التي تصيبنا أو يعوضنا بأقراصِ تخفيف الضغط التي نحتسيها كنخب الفوز على القلب بالضربة المتسارعة والقاضية . كلّ المآسي تمرّ مرور الكرام ولا تترك أثراً إلا الدمعة التي جفت على خدّ يتيم ، ألا اللعنة الله على الأخبار ومن يحررها ، في حين افتقدنا الهدهد الذي ينقل منا وإلينا الخبر اليقين وتركنا الطيور الزاجل تحمل إلينا حبوب الهلوسة أو نترقب البغل كيف يجتاز هضاب الحدود ليهرّب أكياس الدولارات ومن التعاسة أن نحب فتاة واحدة في قناة فضائية لتجلب لنا ما هو يسرّ النفس وتطيب الخواطر ونكره باقي القنوات لأنهم يطبلون ويعزفون موسيقاهم ونسوا وقت الآذان ، ويستمر الحوار بقيادة أحدى جميلات بالمقابل المهوسون بلبس الزِّي العربي متوجاً بالعقال أو ربطة عنق أنيقة يزينها عطر فرنسي تسأله عن سبب حرق الإطارات في طرقاتِ بلادي ..
 لو كان -يا غابات الامزون- بيننا الهدهد لعرفنا الأخبار السيئة واللصوص والمساكين والكادحين ولارسلت لك يا غابتنا العجيبة أخبار القمح المحروق وسط الحقول والريش المحترق والدجاج المتفحم وحرائق المولات ومخازن العتاد والعقود والوثائق المهمة صدقيني لم اكترث بالحريق الذي أكل جزءاً من رئة الأرض كالرئة التي أكلها السرطان في مشفى خالٍ من الأدوية ، أبشرك أننا في الهوى سوا . صدقيني نشترك معًا في اشتعال البيوتات والكرنفات وأكواخ القصبِ كذلك القصور الفارهة لأننا نكره البناء مثلما الرّيح عندكِ تكره الظلال .
 أحتاج إلى لاقطة صوت أسمع منها كلمة صدق دافئة تنسيني كلّ الدماء التي سالت على أرض بلادي ، أو كلمة حق مرّة تجعلني أتجول بالمجان بين أشجارك لا أهاب الوحوش الكاسرة وبدون جواز سفر ولا ختم دخول ينظرني بشزر مقيت ، أريد تصريح صحيح يكفيني أن أغطي به أجساد اليتامي أو نظرة ثاقبة تعيد لي تلافيف الصدى الموجوع .


..................................................


شيخٌ في زمنِ الكبار

 لم تعقد روحه جزافاً العزم على الرحيل من دوامة قانون الجاذبية لتتنقل بين المجرات تبحث عن ضوءٍ يسقى بماءِ الوهج السرمدي ، ولم يكن في باله يوماً أنه تتسلّق السلّمَ روحه العفيفة من الغنى ومن درنات الرفاهية التي تأكل الأخضر واليابس من العمر المتبقي في ذمة التراب . 
 لم يعاين أحداً كبلاءِ الغيرةِ والحسد بل كان يرنو أن يتشبه بالإتقياء والمحسنين ، ولم يفلح أن يلتقط صورةً يصطف معه أحد التقاة ولا نبي يذكره عند أبواب الجنة ، كان يرغب أن لا يشم ريح النار ولا يرى الحديد الملتهب في فلذة مؤخرته ، 

 لكنه قرر أن يخلع جلابيب القرى وطرقات الزرع وحوانيت السكاكر كما كانت الشمس تبكي من وجع الغيوم ويطفر الجواد من سرجٍ مجلجل بالجلود لعبر قنطرة الامتحان وألا يرسب في الأختبار الأول حينما كتب المعلم السؤال بطبشور أبيض على سبورةٍ نصف عارية من السنة (عدّدْ مدن العراق؟) ذكرها كلّها لكنه نسي " بغداد " لم يخطر بباله أن العاصمة يسكن بها أشباه هارون والتتار بينما يذبحها دجلة تحت مرأى الضفاف والنخيل يصفق بالسعف المخمض بريش العصافير الآتية من الوادي المفتوح على ذلك الجبل الوحيد في خريطة الأمة وينعق الغراب قرب منحنى السنابل الصفر لأنّه الغراب وهم السنابل المستعدة لذبح المناجل . 
 لم يخسر الرهان ولا يكسبه ، ظلّ قابعاً في مقعده الخشبي يستقبل الركلات من لاعبي محلته دون أن يحققوا هدف الفوز كي تنتهي المباراة الفاصلة بين الكبار والصغار .
 لم يستهزأ أبداً بجدول الضرب المضروب بالرقم واحد ولا حتى بالمائة جوابه مخطوط بالقلم الرصاص والمصحح باستطاعته أن يمحوه دون تعب أو جهد ، يأخذ الزمان منه أيامه ويعطيه شيئاً من التأريخ يتلوه عليه المذيع في البرنامج الليلي . 
 لا يشغله منْ الآتي وَمَنْ الغادي هو تحت سيطرة تأثير اللون الباهت ومسيطر على إلتواءات أمعائه رغم القرقرة التي يسمعها صديقه الوفي بموعد اللعب فقط لكنه لم يتذكر جوابه عن آخر قنبرة دخان . 
 تعلم أن يكون وسيماً أمام زميلاته وكلامه المنمق بأبجدية الأدب يهواها أن تدير شؤون مشجب ملابسه واصطفاف قميصه الوردي ، ترك الرجفة جانباً والمغامرة يخشى عليها أن تحزن عندما تتلقى نبأ موته ، أتخذ قراره قبل أن يتخذ [ التكتك ] مطيةً ليصل إلى ليل الانتفاضة أراد أن يعاشر برودة تشرين قرب نفق الرسومات ويهتف بصوته الرخيم أني هرم وشاخت ثورتي في مستنقع الايديوليجات المشبعة بنقيق بطل النصر وقائد الحواسم ..طال الظلّ على الجواب أين أنت ذاهب والساحة مكتظة بالشباب قد لا تجد مكاناً للوقوف هناك . أرجوكم ..افسحوا لي المجال فأنا شيخ كبير أحمل عكازاً تريد أن تتحدث إليكم قبل أن تنفضّوا عن مواقعِ النجوم .

——————
هل تعلم
تعلّمَ قلبي من النّبض
أنّ صوتَ العراق 
هو الشريان الأبهر ،
تعلمت الثيابُ في وطني 
أنّ الشّمسَ تضيء النّهارَ 
رغمَ السّحبِ تداهمُ الفضاء ،
تعلمت الدمعةُ أنّ بيتها العيون 
بابها الرموش
ما خرجت بطراً ولا أشراً
بل الحزنُ على مصراعيهِ مفتوح ،
تعلمت قدماي من الرصيف
أنّ الشارعَ طريقُ الموت
فعليّ السيرُ بمحاذاةِ الظلّال
يستديرُ رأسي عند منحى الحي
كي يصافحَ الخوف ،
تعلّمَ اسمي المنقوشُ في جذوعِ الشجر 
يتناولُ الثمارَ متى ما شاخَ اللحاءُ وهرمَ الجذر..
قالت العصفورةُ على أطرافِ الغصنِ المهزوز 
لا يمكن أن نبقى مجانين 
نغردُ ثم نهربُ ثم نبحثُ عن نبرةٍ أخرى
دونَ أن يسمعنا الورقُ المتساقط قبلَ صفعةِ الخريف .

..........................................................


 سائر مع السنين

لم تهزمني السنين 
ولم تخذلني الأيام 
أنا المسيطر على الأوهامِ 
أما الأحلام لا داعي لها أن تبوح ، 
كم أفرحني ناقوس المغادرة …(٢٠١٩)، 
وأفزعني بوق المجيء …(٢٠٢٠)، 
سأعترف الآن ، لقد اضمحل العنفوان
ربّما أنّي على أعتاب الانهيار ، 
تأتي أو لا تأتي 
أنا سائر مع السنين .


.................................................


إلى السياب 
بمناسبة خلوده ال(٥٥)

كثر الحديث عن طقوس الرحلة 
وطالت قوافي الرثاء
اعتادت أثداء المقابر 
تسقي المخلدين
من حليب البقاء ،
حاول المخبر 
يقنعني بأنك عشقت التراب
ما عاد تكترث بمساحيقِ الكلام ،
أنا الذي أكبر من موتك
ببعض سنين
قرأت في المطر صفحات وصفحات
هناك مطر… مطر واحد 
يقول عندما ينتهي مفعول الحياة
يسري دبيب الخلود في الرفاة ،
( جيكور ) تعانقُ شناشيل قصائدك ،
هي يتيمةٌ المنصات 
فمنْ يمسح من رأسها الشبهات ،
( بويب ) والغابات
يقطنان عينين أختفت 
وراء الوريقات 
وقت ما تساقطت علينا السياسةُ زخات. 
تأوهات الزمان وسقم الرغائب 
ضاقت بما رحب الميزاب 
لقد فاض منك الغياب ، 
أما أنا أنحازُ إلى السعف المسترسل 
بظل النخيل قلمك الذي كتبها مرات ومرات ،
أنت والشط تنتظران عيونَ الناس 
تعدّان الخطوات ،
اليوم النوارسُ بلا خجل 
تتعرى من الجناحات
تركب المراكب ، تأتي
لأجل لقطة مع السياب..

................................................


مطعم العشق
تلومني أقلامٌ 
ذات سطورٍ معلقةٍ على صحائفِ الأيام 
كانَ عُذري أوهنَ من فعلي 
حينما راودني الشّكُ
في أفعالِ الشّبابِ
كنتُ أحسبُ أنّ تسريحةَ الشعر
 تأخذُ نهاراً كاملاً 
ومن الألعابِ يأتي الغيابُ .
كنتُ أتوّهمُ أنّهم أضعفُ مني
ألوي أيديهم على نحافتهم ،
أما في النقاشِ لا أحاورهم 
كأنني المعلم وهم أطفال
في أولِ التعليم.
تلومني دفاترٌ
 ذات أغلفةٍ مسنّدةٍ على جغرافيةِ الوطن 
لم أسجل حضورهم
رغم أنّهم امتهنوا القتال 
وأفرغوا العتادَ من البارود
ليناموا على دخانِ الأحلام ..
لم أعبء بعد بكلّ ما كتبوا
وما قالوا مجردَ هراء . 
تلك مصيبةُ العاجزين 
أما مصيبةُ القانطينَ بلاء . 
فجأةً تبينَ أنّ ( المطعمَ التركي ) 
كانَ فجرهم ويغني بأسمائهم
وتشرينُ يصفق ، 
تباغتُ ثورتُهم ساسةَ الصدفة 
لن تغطيها التسويفُ والأعذار . 
قولٌ وفعلٌ ، وجارٌ ومجرورٌ 
ومنصوبٌ بلا نصب
هي أبجديتهم 
ما لحقَ التمجيدُ بتلاوةِ مجدهم 
لكنّهم فرضوا على الصفحات 
حضورَ التعجبِ والسؤال ، 
خطّوا علاماتٍ لمستقبلهم
بساريةِ العلمِ 
على جدرانِ النفقِ وأزقةِ الظلّم ، 
أنّ العراقَ ليس للبيع 
لقد احتواه الثوارُ 
بالأرواحِ وأصدح الهتاف ..
قفوا وسلّموا على عزيمةِ الأحرار
حينما تأبى العبودية 
فكسر القيودَ سهلُ المطلبِ
ثم صدقتُ أخيراً أنّهم لم يحقدوا على أحد
بل يعشقون دجلةَ والفرات
لا يزاحم عشقهم أحد..

........................................................

لو كنتُ أعلم

لو كنتُ أعلمُ الغيبَ
لاستكثرتُ من طيفك
أمام أبوابِ أحداقي
وأعلنتُ للملإ أنني أعمى
أمشي ببريقِ صوتكَ في دروبي 
وأقرأ بعينيك الحاضرَ والآتي ،
لو كنتُ أعلمُ المخفي
لاحتفظت بهمسِك لآذاني 
وأنادي على طوقِ النجاة 
حيّ على التلاقي ،
لو كنتُ أعلم أني أبقى وحيداً
لصيّرتك تساوي كلَّ البشرِ وتأتيني 
من كلِّ فجٍ عميق ، حتى يطوف 
حجيجُ بالي معك حولَ كعبةِ ذكراك ،
ما كنتُ أحسبُ لهطولِ السّحابِ مواسم 
بل كانَ هبوبُ عطرك هو المواسم 
تعجُّ فيها أزهارُ أشواقي بألوان ، 
تغني العصافيرُ أنشودةَ الوطن 
كلّما أغلقَ المذياعُ بثّهُ.. تستمرُ 
الألحانُ تناغي اللّيالي
رعشةُ القلقِ هي أخبارك يتلوها
 تقلّبي فوق السهاد . 


عبدالزهرة خالد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق