الأربعاء، 12 ديسمبر 2018

نصوص شعرية:الشاعرة جميلة بلطي عطوي: مجلة اقلام بلا حدود: منتدى اصدقاء اقلام بلا حدود:حقوق النشر والتوثيق محفوظة © 2018 ____



نصوص شعرية




فلسفة الكيان

تلك الشّمس الهاربة مِنْ قمقم اللّيل ترسمُ على جبين الأفق قُبلة أنْس، تنثرُ شعاعها جدائل شقراء يُمشّطها الصّباح بِوَلَهِ اللّهفة فتتدلّى أراجيح بهجة تمتطيها الكائنات دون استثناء ، تفتحُ لها نوافذ الوجْد بعد أن اغتسلت في بركة الضّوء . تفرشُ لها المُهج سجّادا فارسيّ الصّنع، قزحيّ التلاوين ، تنصبُ لها موائد ممّا " لا عين رأت ولا أذن سمعت" . قهوة صباحيّة في كؤوس معتّقة وليدة دنان شوق كمّمها اللّيل فأسقط عنها الصّباح أختامها.
على الرّكح تضجُّ الحركة ،
 كلٌّ يعزفُ على آلته المفضّلة  ، يترنّمُ بأهزوجته والغاية واحدة ، حلم ٌيتثنّى  في كوامن النّفوس ، سيمفونيّات تؤثّثُ أعراسَ سعيٍ ، تتشابه،ُ تتنافرُ أو تتكاملُ لكنّ الجميع يدور في فلك الهالة الذّهبيّة ، يصبُّ كلّ جهده ، يسابقُ الحظّ إلى نهل الدّفء ونيل المطمح.
 وهي بخطى ثابتة تسير، تشرفُ على عالمها ، ملكة ٌتحسن التّدبير، تتابع الفعل في سواقي الوقت ، تلبسُ لكلّ ساعة ثوبا يناسبها ، ترسم ُعلى صفحة الزّمن تفاصيل رحلة الحمل والولادة ، منذ البدء ، تسقط شرنقة ، تحبو ، تمشي ، تطير محلّقة . عند زمن الذّروة تلج خطّ الانحدار.
 تلك الشّمسُ بين شروقها والمغيب تخطّ مصيرا ، تخطّني ، تخطّكَ ، تدوّن فلسفة الكيان. بين لحظة ولحظة تُقام ممالك وتُهدر أوطان. بين حكمة ونزوة تختار موقعك أيّها الإنسان .


جميلة بلطي عطوي
------------------

المُربّي

قُمْ لهُ يَا صَاحِ ردِّدْ..................إنّهُ طوْقُ الأمانِ
كرّسَ العُمرَ ليُهدي............ .....كلَّ أسْرارِ البَيانِ
دوّنَ العِقْدَ فصيحًا ...... ...........هدَفِي قطْفُ الأمَانِي
لنْ أخونَ العهدَ مهْما......... ......أتْرعَ اللّيل زمانِي
صِدْقُهُ كانَ شِعارا ............ .....والهَوَى صَقْلُ اللّسانِ
أوْقدَ الجُهدَ شموعًا..................في الصّحارِي والمغانِي
أشْهرَ النّصلَ يفوحُ .............. ..ريحَ حِبْر أُرجُواني
قلمٌ في الضّربِ سيْفٌ...............ودواةٌ مِنْ جُمانِ
ثمّ نَادَى في البَرايَا............... .اِسْمعُوا عزْفَ الكَمانِ
رَقْصةُ الشّمسِ صَباحا............. سيفُ فوزٍ في الطّعانِ
سَأشيدُ الحرْفَ صرْحًا...............يُمطِرُ النّشْءَ حنانِي
منهمُ أبْني حُصونا.............. ....مُشبعاتٍ مِنْ كِيانِي
سامَهُ القوْمُ عُقوقًا ..................وهْوَ عُنوانُ التّفانِي
يا سليلَ الأنبياءِ ............... ..يا قرينَ الصَّوْلجانِ
تزْرعُ الآمالَ فينَا .................بذْرَ صدٍّ للهَوانِ
وتُزيلُ الجهْلَ عنّا ................ بعلومٍ ومَعانِ
ذَا المُربّي باركوهُ ..................إنّهُ رُكنُ الأُمانِ.

جميلة بلطي عطوي
------------------


حُلم
على ضفّة الفهم توقّفتْ ، سرحتْ عيناها في هذه القطعان المتصارعة ، كلّ يحدّ نِصاله ، يشْحذ قرونه كي تكون ضربته قاضية. تساءلتْ في حيرة تُرى مُنذ متى باتوا على هذه الشاكلة؟ لقد كنت أرى كبيرهم يدفعهم في لين ورقّة إلى أخصب المراعي ، يسهرُ شديدا كيْ لا تقترب منهم الذّئاب ، يحرصُ على ألّا يعودوا إلى مآويهم إلّا بعد الشّبع والارتواء.
 وهي ساهمة اهتزّت الأرض من تحت قدميها، هزّة استفاقت منها لتجد نفسها خارج الجاذبيّة أو تهيّأ لها ذلك ، كرة أرضيّة أو شبهها، أرض لم تأل
فها في حياتها ، كائنات تتحرّك وكأنّها مُبرمجة ، تُحرّكها أجهزة إلكترونيّة من زوايا موغلة في التّخفّي.
 التفتتْ يمينا وشمالا، تساءلتْ تُرى هلْ هذه هي الجهات الأربع التي أعرف؟ تلمّستْ وجهها، يديها وكلّ أعضائها ، أنا هي أنا ، مِنْ لحم ودم وهؤلاء مِنْ حولي يشبهونني في كلّ شيء ما عدا الحركة والفعل.
 مِنْ داخلي أتلقّى أوامري ، عقلي ربّان سفينتي وقلبي شراعها . يتخاصمان حينا ، يتّفقان آخر لكنّهما يسعيان في نهاية المطاف لأنْ أكون دائما ثابتة الخطو ، رصينة الحركة ، نظري سديد وبصري حديد بينما هؤلاء مجرّد شكل ، أطياف ، باعوا عقولهم للهاوية ووُئدتْ قلوبهم في رموس الضّغينة. هياكل تمرحُ في خرابها ريح عقيم ، زوابع تُبرقُ وتُرعدُ ولا مطر. الأرضُ تحت أقدامهم جدب ، أخاديد وإذا اخضرّت فالأشواكُ محصولها الموعود.
 هذا البيت لابدّ له مِنْ خلاص ، عقلي والحكمة ، كيف أحرّرُ هذه القطعان ؟ كيف أعيدها إلى سواء السّبيل ؟ أنا والقطعان وخطوي والدّرب أرسمها ، أعانقُ ارضي ، أخفّف وجعها وهي تستصرخ الفعل الصّادق، تُرى كيف أفتكّ شالها الأخضر من المحرقة لأرى الشّمس تبزغ من مطلعها من جديد فتعود الرّيح والبرق والرّعد إلى الودّ القديم ، هبّة واحدة موحّدة والموسم خصب والبيادر عامرة وأنا وأهلي، تلك القطعان ترأب صدعها بعد أن زلّتْ بها القدم في متاهة الفتنة.
أنا وأمثالي هِبة الله ، ننقذ أمّنا ونعتق أهلنا . حلمٌ في مرآة الذّات يروم الواقع والصّفاء.

جميلة بلطي عطوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق