الخميس، 24 أكتوبر 2019

نصوص شعرية : الشاعرعبد الزهرة خالد : مجلة اقلام بلا حدود: منتدى اصدقاء اقلام بلا حدود:©حقوق النشر والتوثيق محفوظة © 2019



نصوص شعرية



الوصايا العشر 
اشربْ ضياءَ الفجرِ على عجل 
قبل أن يأكلَ الليلُ أعذاقَ القناديل..

ارسمْ عيونَ النّجمِ بريشةِ السهر 
قبل أن يرى الموجُ عورةَ البحر.. 

اكتبْ بمدادِ اللّهفة 
قبل أن تغلقَ المُقلُ أبوابها ..

اركبْ صهيلَ الصور
قبل أن تترككَ العرباتُ وحيداً 
وسطَ حثيث المقبرة ..

اقرأ اسمَ الداء 
قبل أن ينتشرَ الطفحُ المؤهلُ للحمرة ..

اشعلْ ذبالةَ الفانوسِ الندية
قبل أن تسمعَ طنينَ الظلام ..

احملْ جعبتكَ مبكراً
قبل أن يمرّ على جاركَ الباص..

اركضْ وراءَ النّهار
قبل أن يبتلعَ الشّمسَ التقويم..

افرغْ من رئتيكَ السّعالَ
 قبل أن تشعلَ سيكارتك في غربتك.. 

ازرعْ غصناً 
قبل أن يطمسَ الظلُّ بالوحل.

......................................................


قلبٌ والأربعون خطوة

 أنه لغز عجيب ، نهر أسود طويل لا تحده الجهات الأربعة ، يمتد مع أفق القلوب ، يغني كالسعيد في يوم حزين ، مفارقة الطبيعة عند اصحاب العاصفة ، هدوء حذر يشوبه اليقين ، منْ أراد أن يستقيم ، عليه أن يحمل قلباً مفعماً بحبٍ أمين .
 قد ترسم الأقدام طريقاً للفجر وقد تخط النبضات للدنيا العبور نحو بحر يخور في جيوب المعوزين ، يجمعنا النجم بخيط من حرير ، وينزع قميص يوسف لوجه النّهار الأعمى يدلّه على حشرٍ فيه الإنس والجن يجمعون للضيوف الياسمين .. 
 في عيد العسكر تستعرض العجلات والمدافع عظلاتها أمام العتاد ، ويرفرف الشارع فوق غبار الحوادث ، الكل يعرف الموقع لم يأتي اعتباطاً ، والزمان غير القدر ، فالحفاة في الأربعين تستعرض الخطوات الندية بحبٍ خالد ، التأريخ قال قولته الشهيرة أنا مع المنتصر الذي يسجل أفعاله المنحر ، الرصيف يشرب النهر العطشان بشفاه النقاء وخرير النعاس تلتهمه القواقع بينما يدوي صوت التلبية .. ..
 لم يسفر الصفر أبداً عن أسفاره بل كان يعدّ للعشرين عدته بأصابع الشهور غير كافية في الإحصاء ، تستدين بواحد من اليمين وأحد الأصفار من الشمال ، المعادلة أنك قد أديت اليمين ، لن تحنث ولا تتنازل عن العهد لأنك السلطان للتو توجت بتاج الميامن .. 
 على الرمال تزدهر الشموع بضياء يغذي بها الشّموس ، ينزل القمر على سفح من سفوح التضاريس يريد أن يعيش من موقع أدنى كي يكتب ما رأى وما يسري في الشرايين السود ويبرهن صحة تجربته بأن شعباً يسطّر نوراً على نور في مشكاة قريبة من وهج الله وأحرفاً تنقش على أذرع العرش . كان يعجبه السيف الذي يستل ضد الحق كما الرصاص الذي يخرج ضد صوت الأحرار . الحقيقة كان يشتهي الغيث الهطول بكلّ حرية ليقبّل الخطى الحثيثة والسّحاب لا يشعر بالجوع مقتنعاً جداً بالرؤوس التي تغطيها رعشةُالرياح ولا الشّك له الحضور ، كان يحمل في جيبه هوية الاحوالِ الشخصية ذات الدفع الرباعي للمرور عبر المسافات التي تطويها عصا العشق السحرية بضربة تنشق لها بحور الفواصل .. 
 يلتقيه على بعد أمتار يعانقُ الصيحات ، يستنجد بتلاوة القسم ، ألا يحيد ، قراءة خطوة واحدة تكفي أن تلملم الاتجاهات ، الأبصار شاخصة هناك من نادى على أمة بعيدة جداً تبعد مسافة عشرات القرون ، تمخضت الأمهات ذات طلقة صادقة ، جينات وجينات ، الكروموسومات تدور من وادٍ إلى واد ، تفيض بالكرم والجود وكلمة الترحاب ، لا عجب في شعب ولدته المعاناة ليكون أكرم الشعوب ، لا عجب في شعب ولدته مشيمة الظلم ليكون محض إعجاب ، لا عجب في أمة قررت من العوز أن تكون أغنى الأمم ، لا يقهرها الجور ولا يخدش جلدها أصلب سوط ، ولا عجب في فصول الشباب أن يزرعوا الربيعَ وسط الخريف فيزهر الجفاف أطناناً من الزهور ، تساوى هنا في نظرةٍ دقيقةٍ السطح والعمق ، الشيخ والرضيع والأحياء والضريح ، القوي والضعيف ، العنفوان والخمول .. 
 ما أحلى الشباب حينما لا يشعر بالجوع وبطنه خالية من الطعام والأدهى أنّه يمدّ الوليمةَ للطائي وأصحابه على سريره الوثير بزغب الحنين.

...........................................................

أحلام في وطنٍ مهجور
بركانٌ خامدٌ يشغلُ مساحةً واسعةً 
من وطنٍ كادَ أن يقعدَ على القاع ،
خريطةٌ تشبهُ الدنيا 
تحتلُ مسافاتٍ شاسعةٍ من بالي 
تستحقُ كلّ هذا المدى 
فيها تتدرجُ خطوطُ الصعود ،
ما بعد المساءِ يتثاءبُ التأويلُ 
ويرخي القلمُ مداده ، 
بدنٌ هزيلٌ ينادي 
يا أولَ أنيسٍ دخلَ حالي 
ويا آخرَ حلمٍ يحملُ آمالي
تعالَ نمنحِ الشطَ أمواجاً من الشوق
لأننا على ضفةٍ منحنيةٍ إجلالاً لظلّالِ النّخيل ..
*****
كدتُ أن أخلعَ همساتك من فستانِ الأمل 
وأرتديها حلةً لتظاهراتي
أو أهديها للنّجمِ يغالبهُ النعاسُ 
حينما يتعبُ من مراقبةِ معاناتي ،
يبدو إنّي قريبٌ جداً منك 
لذا أعدّدت لك يافطةَ صحوةٍ
لامست أحلامي في وطني ..
..........................................
مجرد طلب
ما قد قيلَ عنكَ 
محضُ تأويل 
وما طلبتهُ منكَ 
مجردُ افتراء 
لا أحتاجُ إلى يديكَ لتنقذني 
ولا إلى قاربكَ لينتشلني 
بل أردتُ ضمةً منكَ 
قبل أن أبلغَ ذروةَ التخدير
في غرفةِ الانعاش 
قلتُ ذاتَ وعي مفقود
هاتِ صدركَ 
ما عادَ صدري يستوعبُ الغصةَ
لكنكَ علقتَ شريانكَ على شراييني 
أين أنا منكَ في هذهِ الدنيا العليلة 
بمرضِ الغربةِ المزمن 
وطفحِ الآهةِ على قلبي ..
.....................................

يا أيّها المفّتون
عشقُكَ أكبرُ نكتة
عرفتها الأساطير
وأوسعُ أنّةٍ تتدفقُ في النواعير ..
عشقُكَ أعلى قمةٍ تتسلقها القلوب
المفعمةُ بالشيخوخةِ ونقاءِ الفصول ،
يا نغمةً 
تتلوها العصافيرُ العائدةُ من بعثرةِ الحقول
هاجَ صليلُ اللّوعةِ 
خلفَ خطِ غيابٍ
يشقُ مملكةَ التلاقي بلا إنصاف ، 
تسيرُ قطارات وصفاراتها
لا تكترثُ بلوعةٍ تهزُّ الصدور 
ولا بمقلةٍ تسدُّ رمقَ الدموع ،
هذا الزمنُ المتدلي 
نضجت عناقيده 
والقطفُ سهلٌ يسير على أوتارِ الحنين ..
مرارةٌ بطعمِ البّن
تطعمُ ريقاً في شفةِ تين 
زغبُ الخوخِ يتجلي بخمرةِ السكر
أثناءَ الدبيب ..
أنتَ أيها المفتونُ 
عشقكَ بقلبي
كمسابقةِ الجري 
بين النبضِ وزعزعةِ القلق 
ها أنا مع الوجدِ نقطنُ فنارةً
تحنّ إلى الغروب ..
——————-------------------------
لن يغيب اسمُكِ 
جئتُ بمفردي 
من مغارةِ التهجد
تركتُ جذوةً خلفي 
تصارعُ الرمادَ 
أظنّها تحتضر
لم تقدرْ على إيقادِ أناملي
قد أحملها إليكِ 
لتتقدي معي
خانني الطريقُ والعثراتُ
لم ترفض أحدا
خبتْ … وا أسفاه ،
ما أقسى خيانةَ الهوادج 
حين كشفتْ عن عورةِ الصحراء 
وعن ريحٍ تلعبُ مع القوافلِ
 بمزاميرِ الكثبانِ 
بينما أثرُ الرحيلِ تبدعُ بها الأرجلُ .
جئتُ معفراً بوحدتي
أتأبطُ عزيمتي
 نويتُ بناءَ سفينة 
لأنقذَ بها بقيةَ السطور
من ألسنةِ الطوفانِ 
أركلُ خراطيمَ الموجِ بأقدامِ لوعتي
أعبرُ إلى عنوانٍ يعصمني
طيفكِ يناديني 
ألا يسقطَ الغصنُ من كفّي ،
الهجرُ يطمعُ بي
مازالت مع الدفةِ تدور الهواجس
والتينُ من فمي يقطرُ القُبل
ينعشُ النفسَ الأخير ،
بانتِ الحقيقةُ …ما يخمدُ الضحى الخريفُ
حيثما تهبُّ نسائمُ العشق 
مراراً قرأتُ من عيونِ النّهار 
حروفاً من اسمكِ تفسرُ الظنون
أيقنتُ أخيراً
أنّه لا غياب لناقلِ الغياب..

——————--------------------------

لا تستفزوا صمتنا

لا نقبلُ القسمةَ
على أي عددٍ وأجسادنا 
مشدودةٌ على الأوتاد ..
أخذوا العراقَ خرقةً
لم يبقَ لنا إلا قصبٌ يغني ..يطاردُ الأشجان . 
صوتُ المشحوفِ* حزينٌ على الضفاف
ومحذوفٌ منه دفعُ الزمان ..
عزفُ الريفِ ينازعُ الناي في السبات ،
مستنقعُ الصمتِ لا يحركهُ الحجر 
وإن نرقصَ على وحلِ البلاء
 ربما مردودنا في المدينةِ تثاءبُ البركان ..

لن تمسكوا خواصرنا
نتزلجُ من أياديكم 
كالسمكةِ الهاربةِ إلى الأعماق
نقبلُ بالطينِ أن يرتدينا 
ونقبلُ بالهواءِ كساءً
دعوا قمصانُ الذلِ في خزائنكم
تكويها جواريكم ،
أن لا توزعونا 
على براميلِ الحصصِ 
فنحن شرارٌ 
وصغارنا عيدانُ ثقاب ، 
قد نغمضُ عيناً عن دهرٍ
ونفتحُ الأخرى
على صفعةِ الثوّار 
عندما تنجبُ لنا الرّيحُ 
وجوهاً فيها حناجر .


عبد الزهرة خالد


هناك تعليق واحد: