السبت، 8 سبتمبر 2018

قراءة لنص الشاعرة فاطمة محمود سعد الله /نوافذ مشرّعة على البحر :بقلم /الاديبة الشاعرة انعام كمونة : مجلة اقلام بلا حدود: منتدى اصدقاء اقلام بلا حدود : :وصفحة مجلة اقلام بلا حدود 2018:@حقوق النشر والتوثيق محفوظة /2018


الرؤية الفلسفية لرمزية البحر في نشوء كيان القصيد ..
( نوافذ مشرّعة على البحر)


_ مقدمة / 

 _ من الأرجح ان نضع بعين الاعتبار أن لكل شاعر خصوصية تأمل بمنطلق فكري معرفي تأملي رؤيوي بتصورات فلسفية تختلف بآفاقه الأجتماعية والثقافية والتاريخية وحتى الدينية والسياسية , يستحضرها بإدراكه الذاتي بما يحيطه من حدث يراه في ذهنه بقناعة فكرية ويعتقده لممارسة شخصية , فيدخل متاهات الروح بصفوة تأمل ونقاء تصوف تحمله الرؤى على ظواهر الكون بتشيع أدبي مغردا بكينونة لغة متميزة الإبداع تنبع من عمق الوجدان متفاعلا مع سياق إحساسه وتذوقه لتوافر العقل الخالق ووعيه المدرك وفاعلية نضوجه بتصور شمولي فيسعى لمعالجته بالرحيل لعالم التخيل والتحررمن ضغوط الواقع فيملأ خيال حريته بمطلق الاشتهاء ...
_ ومن المؤكد أن الشاعرة فاطمة سعد الله تلاحق مأوى الخيال الممتد لمنتهى المدى  تستلهم من جوهر الطبيعة صيرورة رؤى لتقتنص ضالتها المبتغاة لدلالة المضمون بطاقة فكرية تدب في الشعور واللا شعور, تشرع نوافذ رؤياها برهافة أدبية- فلسفية فذة , متبحرة .. متأنية بقدرة معرفية مدعومة باختصاص لغوي وأدبي يعود إلى تكوينها ومهنتها التدريسية وخبرتها الوطيدة وموهبتها الشعرية فتعبر بفلسفتها عن غاية شعورية بتقاربات رمزية من وحي الوجود مجسدة رؤياها بلغة باذخة الإيحاء بروح إِنسانية رقيقة عذبة البوح شفيفة التوهج ...

 _ وبما أن اختيار الكلمات يعتمد على المتخيل لإيحاء القصيد فالشاعرة فاطمة سعد الله تنتقي وحدات النص برؤية فلسفية ملتفعه بيئة الحواس , تغزل رموزا من كينونة الطبيعة كظاهرة دلائلية لما تود أن تشير المعجميات من صوتٍ ومعنى وعلامة ودلائل يطغي وجودها في نسق النص , تتآلف وتختلف فتتشابك لتشي بالفكرة ,مثل اختيارها مفردة صوتية رائعة مثل رمزية البحر ,ويذكر الدكتور أحمد غنام (أهتم علماء الأنثروبولوجيا كثيرا بدراسة الرموزلأن الأنسان وحده الذي ينفرد بالسلوك الرمزي وبالقدرة على استعمال الرموز والتعامل عن طريقها)*1, فللرمز صوت ومعنى داخلي يصدح في الفكر والقلب كيفما يكون له من الأثر والتأثير بما يعني ظاهره وباطنه لإيحاء المضمون , وما يدل عليه أنه ذو أثر نفسي مترسخ في ذات الشاعرة والتي تبث فيها حواس الخيال وتحرك وجدان الشعور لديها بذهنية غامرة الإحساس بتصويرها الشعري ,تزاوج صفاته الطبيعية أو تنتزعها كليا أو جزئيا للخوض في مدى غير نمطي وصياغته بخلق جديد غير مألوف لأستخدامه في اللغة الشعرية بما يغني النص ويثري السياق عمقا وتوسعا مع طبيعة الرمز ... 

_  ويعتبر الرمز من العناصر المهمة في النص الحديث, وقد أشار الدكتور أحمد غنام لتعريفه , (إن تعريف الرمز أو تحديده أمر ينطوي على بعض العناء والمشقة, لأن الرمز بنية مركبة تركيبا خاصا يشكل منصة الحضور الأنساني في التعبير الخاص عن معنى خاص بلغة خاصة , ولذلك كل محاولة لتعريف الرمز ليست إلا نوعا من المجازفة الفكرية لأنه لا يعدو كونه محاولة الأقتراب من معنى الرمز أكثر مما هو دخول في حقيقته )*2 ... 

_  وفي تقديري المتواضع للرمز ضمن حدود فكرة الشاعر: إن دلالته المعجمية في اللغة مع دلالته الشعرية هي بؤرة الأيحاء في النص وزبدة القصد الهلامية , على أن لايكون موقعه في نسق النص عشوائيا لإتقان وجوده في إضفاء المعنى العميق وبهذا أن يمزج دلالته الجوهرية عند الشاعر بحالته النفسية وإحساسه العميق ليوصل المعنى وليظهر فلسفتة الأدبية ومكنوناته الروحية بخياله الابتكاري ليبثه الى المتلقي باسلوب مميز وماتع متوهج بلغة فنية ,وهذا ما يميز فاطمة سعدالله وسماتها الأدبية الرائعة في انتقاء الرمز استعارة مكثفة القصد بليغة البيان لتوصيل الفكرة , لما له من أهمية في أسلوب وبناء النص الحديث للتعبير عن مكنونات مختلفة حسبما تبثها لمضمون ما, وتبنى عليها حقيقة الموضوع فينطبق مع قول الفيلسوف الأديب أحمد غنام عن الرمزية (فتبدو في حقيقة الأمر توحيدا بين الوجود المطلق والشعور)*3 وقد تطرق الكثير من الشعراء لتوظيف رمزالبحر لبث متنوع من الصور النفسية والأجتماعية والفلسفية , والسياسية والدينية, لا اتطرق لها للأطالة ... 

_  عمدت إلى نص شعري مميز الفكرة بتضمين رائع لسيمائية حديثة متوج بعنوان (نوافذ مشرّعة على البحر), فرمزية البحرتتمثل في ما توحي من سمات ميتافيزيقية الخيال , ووجود تاريخي ببايولوجية تراثية استدلالية التصور,وتناغم حيوي الدلالة في رؤى الشاعرة لسيرورته الأحيائية المعالم مقارنة بمعاني الحياة على الأرض ببيئة مختلفة, وبتشكيل غير استقراري متغير المناخ ومساوقٍ زمنيا لأي تأثر وانفعال روحي يحرك خلجات الشاعرة لمقتضيات الموضوع الرؤيوي ... 

 _ قد وظفت الشاعرة معجمية البحر بلغة إيحائية أكسبتها صفة غير مألوفة لإيعاز الدلالة فتفردت باستخدامها بلغة شعرية مبتكرة التميز , ومنه نستدل للبحث الدلالي ميزة متفردة للفكر الخلاق وعالم معرفي متنوع برحاب سيمة روحية الهيمنة بثراء دلالي, تطوعه بسلسبيل الفكرة تقلبه كيفما تشاء من معنى ومغزى لتلقفه الأثر والمبتغى , , تبوح به صور خلابة الأسرار وتكتمه جرح المعاناة فهو الحقيقة والوهم في واقع الخيال ,لذا ارتأيت ان تكون مقاربة لرمزية البحر ودلالاته المختلفة في نصها الآتي على ان لا نبخل على بقية الرموز ومن ثم أعرج لأستقراء ما يطيب من استقطاف جميل نصها واستنطاقه ... 

_ العنوان / (نوافذ مشرّعة على البحر)منه نستدل لمستوى إجرائي يشير إلى تقنية مجاز بصيغة جمالية وعذوبة تعبير بتشكيل بنيوي متناسق, يخبئ في طياته دلالات متعددة توحي بمعنى الظاهر وبعد باطني بتشكيل انزياحي حركي يمهد لبناء دلالي للفكرة بدراية وخبرة الشاعرة لتثبت تفرد خصوصية ثيمة (البحر) بكيان مكاني تحيلنا على دلالة استهلالية لقصدية النص, فالبحر رمز مكاني بواقع وجودي غامض والذي يجذب الشاعرة لإدراكه واستكشاف ماهية وجوده , له دلالات عديدة من التاثيرات النفسية والتصور الجمالي ومصادر الحياة في البعث والموت لذا نتوسم منه احتمالات لدلائل أخرى تتشعب في أفق المتلقي, ولنبقى في تأويل الدلالة وتفسيرها فيما يعنيه بحدود رؤيا الشاعرة في قصدية النص... 

 _ من تركيبة العنوان ونسق البنية ورهافة التصوير تلاحقنا متعة الفضول الاستقرائي بلذة المتابعة ويتلوها السؤال :متى تشرع الشاعرة نوافذ رؤياها ؟ وبأي وقت تشرق أبجدية فلسفتها لفضاء التأمل لتبحر تيارات الشعور بأشرعة الأحاسيس ؟ , وهذا ما يحثنا على التطرق إلى مستوى إجرائي يقحمنا في مدار الزمن ,إذ أن لمعجمية (نوافذ) سمة الإيهام بعدم تعريفها وألحقتها الشاعرة بصفة (مشرعة), فنزوعها للتنكير لعبة حاذقة فنيا باللغة ومؤثرة ذهنيا تستفز القارئ بأبهار غامض فيبحث عن حدود زمن يفترش البحر على مصراعي الرؤى لتأمل الشاعرة والمعطرة حروفها بولادة فكرة ما...

_  كما نستكشف تناغم رمزية (البحر) بشفافية المعنى وغور الدلالة مكان عابق بالسِحر الخلاب متلون بدلالة ما تنقله الأحاسيس في ذهنية القارئ / والمتلقي وكما يقول هيغل بفلسفته عن التفاعل مع الجمال والفن ((..هو الصورة الحسية الأولى التي تتجلى فيها الفكرة))، فللبحر جمال استثنائي عميق الخبايا شاسع الاِمتداد كمداد الحروف يهفو في غمر الأحاسيس رمزية هيبة باعثة للتمعن بتوبوغرافية دال متقلب الهواجس يثير ذهن المتلقي فيطرق أبواب رؤياه ببعد خيالي ليعكس اجتياح الفكرة وما ضمرت بقصدية الشاعرة بدلالة معرفية والاِنتشاء بما تتناوله ذبذبات التأويل للتواصل والاستمتاع , فالشاعرة تشي بمدلول متنوع الصور متفرع الإشارة فتطالعنا عيون الدهشة لاستقرائها بلذة نهمة ...

_ النص/  وقبل الغوص للبحث عن لآلئ الأعماق يراودنا سؤال آخر,هل تلك النوافذ التي تطل منها الشاعرة فاطمة سعد الله روحيا وتعانق بحر تأملها بصمت وسكون تكون سيرة ذاتية حقيقية لولادة نص يشمر عن حروفه ليبلغ شهقة الحياة !؟ وهل للنوافذ زمن معين لتغلق؟ ...

_ ولنرويَ فضولنا ومتعتنا فلنطل مع الشاعرة ونبحر معها من نوافذ رؤياها ,  إذن سنتابع صيغة فلسفية لرؤى الشاعرة بأبجديات تأمل بصور متسلسلة ترسم دورة حياة كيان نصي بمنحى صوفي رؤيوي يرتقي بالنفس البشرية إحساسا وتذوقا للتأمل بطابع ذاتي يعبر عن الأنا المنعتقة من محاور الذات المادية محلقة في مدارات الخيال الوجودي بمحاكاة النشوء والتكوين ...

 _ ابتدأت الشاعرة بزمن معين لتصرح بموارد الجواب فتسرد لنا من تلابيب النص بــــــــــــ 
عندما تشرّع السكينةُ نوافذها على البحر
تخلعُ القصيدةُ غلالةَ التكتّم 
تنزلُ بدلاٍل نحو الزّرقة المشفّرة برذاذ الكلمات
تداعب الشمسُ المملّحةُ عنقَها البلّوْريّ الناعم
تدرجُ قدماها نحو اللانهاية الزرقاء
كحمامة تجمّع الدفء للزغاليل... و
تطير الفرحةُ العنقاءُ
لتحطَّ على كتف القصيدة المدلّلة الخجولة 
يقترف البحر غواية الهمس
يضعُ ذراعه الوثير 
على خصرها الجفولِ ...
 فتستكين

_ استهلال زمني بــــــــــ (عندما ) تجيب الشاعرة عن تساؤلاتنا بظرف زمان يحدد متى تفتح نوافذ تأمل الشاعرة وبأي مكان والذي يدعوها لتسترق الرؤى من رموز أحد مرافئ الطبيعة الأكثر غموضا باسراره الكونية المتعارف عليها , فتعتكف سكينة التفكر بارقة طيف لتنسج من رمز البحر نبض تأمل بوجدان صوفي الإحساس, فتكرارمعجمية البحر من الوهلة الأولى في الصورة الشعرية بديل استعاري لرفد صورة العنوان بالدلالة الرمزية ,فترسم لنا مستوى اجرائي رصين الإشارة حيث لا ينفك العنوان عن عتبات النص بل وحدة من أجزائه بآصرة تجمعهما لتأكيد الدلالة والاستحواذ على سعة جمالية بصرية للصورة الشعرية المنتقاة مع إضفاء تداولية واقع المعرفة لعملية التأمل المتواري التي تجتاح الشاعرة فاللغة والأدب والرؤى بحر للتراكم المعرفي ...

_ نستقرئ نزعة السرد بسلاسةِ المفردات وعمق التعبير أدى  إلى جمال الوصف بلغة عذبة المجاز تنبض بفنية جمالية وخيالية بارعة الإضاءة تتسع لتوقيت التأمل بسعة التفاعل الحسي ورمزية البحر , تدخرها مخيلة الشاعرة ببديهة منطقية تلفتنا الى مدى تعلق وذوبان الشاعرة في تفاصيل بيئتها ومحيطها لتعطي ملامح لولادة الفكرة أولا في قرارها المكين , فحريّ بنا أن نستشهد بقوله تعالى ( ثم جعلناه نُطفة في قرارٍ مكينٍ )*4 فالبحر أفق إحالة لتحفيز نشوء الفكرة وإيحاء روح التأمل , وبما أن النطفة أول التكوين فالنشوء في مهد تغلغله لصياغة القصيد بلملمة الحروف على مهل الرؤى ...

 _ وحين تفرد السكينة نوافذها على مدى البحر تتقد الرؤى في محراب الفكر الخلاق وتغترف من مداد البحر الإيحاء لكتابة قصيدة نثرية تراود خيال الشاعرة وبمقدرة لغة غنية متنامية الغوص في دلالات البحر تطل الشاعرة على ساحل رؤاها تنتزع غلالة صمت الحروف فتسري غواية الشعر لتدوين فكرة فلسفية تجتاح الرؤى بروض التأمل ليبدأ مخاض النشوء , فرمزية البحر أيضا اشارة تاويلية لفضاء الرؤى الشاسع وإحالة على منحى العطاء اللامتناهي لمداد الشاعرة و حروفها... 

_  ومنه نستدل مستوى إجرائيا لصورة شعرية فنية رقيقة معطرة برائحة البحر ببلاغة تشكيل واستعارة مكنية مبنية على التصور للبعد الرمزي بقدرة تعبيرية وانزياح تركيبي حركي بتكثيف وتناغم مترف يدعو المتلقي إلى التأمل وما يستنبطه من تأويل ...

 _كما اِجتمع في الصورة الشعرية عنصرا الزمان والمكان وتوظيف استعارة التضاد بينهما بتجانس شعوري تتزحلق من دهاليز التخيل بدفقات شعرية الوعي أو اللا وعي بإيحاء وفاعلية إحساس نفسي للحظة التأمل ولا عجب في الاِندماج مع رموز الطبيعة وهي عاشقةُ البحر نشأت بين فيء البساتين واغترفت لؤلؤ الرمال كمحارة تستنشق نسمات الأرض لتشرق حروفها بلمعان الموج ...

 ولنتابع لؤلؤا آخر في رحلة الرؤى...
تنزلُ بدلاٍل نحو الزّرقة المشفّرة برذاذ الكلمات
(تداعب الشمسُ المملّحةُ عنقَها البلّوْريّ الناعم)

 _ وبصورة رائعة الجمال تشي بخطوة نشوء حيوية تبث روح المتعة بتدرج لحظات ممتزجة الحقيقة مع الخيال تتفرد بجمال رؤى لشاعرة تتضح بعبارة فلسفية التكوين حسية الوجود رائعة البوح تقودنا الشاعرةالى رحم غزِل الحروف لاستكمال رحلة النشوء في أفق زرقة البحر , فحين تنبت بادرة الفكرة في روض الخيال يطل جنين حروفها بدلال وغنج يستنشق روحه من مشيمة البحر فتنمو الى علقة حروف تتماهى على عتبات نص تسبح في مدى( الزرقة المشفرة ) دلالة رامزة باذخة الوصف توحي لنشأة الحروف فوق زرقة السطور الممتدة بامتداد زرقة البحر , ومن ثم تتنامى عناصره الأخرى بإيحاء المعنى ودلائل القصد , استهلال لمخاض عتبات النص بتأمل فكري ...

_  وبتأويل دلالي آخر للصورة الساحرة المكتنزة المعنى فالمداد بحر يستمد لونه من زرقة الطبيعة من سماء وبحر, نلاحظ عبارة (الزرقة المشفرة) تستفز القارئ بغموضها فيبحث عن زرقة الطبيعة ويطرق أبواب معرفته ليستلب منها المضمور في خفايا اللون وما تعنيه الشاعرة , يغرق في التامل سابحا في ملكوت الزرقة , فيسترجع الهامه ليوقظ الكثيرمما تشي به من تفسير وآخر من الخفايا البعيدة الدلالة وتلك متعة لا تستكين الا بالمتابعة لخاتمة النص تزيد اللهفة ...

 _ وقد نعتمد مستوى إجرائيا مذهلا باختيار الشاعرة رمز اللون الأزرق لإثراء الصور الشعرية بدلالات عدة فالزرقة طبيعة وجود تغني فضاء التأويل عند المتلقي وتحلق بمناخ الفكرة لأي زرقة يختار؟ إيحاء بزرقة البحر أم السماء ,زرقةالمداد أو السطور , أو زرقة أخرى تحاكي متعة تأمله فتبزع براعة الشاعرة الفذة في أختيارها الرقيق من الأصوات والعميق من الأيحاء, وهي متعة متجددة تنعش الشعور بدلالات عديدة ... 

_ وأما معجمية (المشفرة ) والتي تحيلنا على جنين الحروف وضبابية طور التكوين ,اليس للكائن الحي فترات نمو من طور إلى طور, فما زالت الشاعرة فاطمة سعدالله تستجمع حروف رؤاها في مسار التأمل , وصف جدا رائع ودقيق ومناسب مضمخ بظواهر الطبيعة البشرية وفطرة الوجود بمحاكاة زمن النشوء ,فتتفتح في أفق القارئ / المتلقي مدارات الخوض بدلائل متنوعة كما تهوى نفسيته في لحظة القراءة الماتعة وما يشعر حينها بما يحيطه من فكر لخلق تراتب المعنى وأي طور بتصوره, ولهذا تشي للمتطلع والباحث دلائل متنوعة كما يرتئي بغوصه فيكشف المستور من الخبايا كي يمزق غلالة الغموض وينعم بالاكتشاف المريد ...

_ ولنتابع ولادة الحروف بمرحلة أخرى وباستعارة رائعة ترفدها الشاعرة بصورة شعرية مبتكرة العذوبة تتوهج بروعة الأنزياح الدلالي وعمق تكثيف حين تقول(تداعب الشمسُ المملّحةُ) هو استشراف الحروف بطيب عذب التأمل تستذوقه بجزالة الترحيب (فالشمس) رمز لزمن طبيعي التوهج بشروق نهارجديد (سيمائية حدث لولادة نص) , وغد يجدد دفء الحياة بأمل وتفاؤل , ورمزية جديدة تبعد الرتابة عن القارئ وتزيده شوقا للمتابعة, وحتى لا تنفك الشاعرة عن أنهمار دفقات الشعور, تربت الرؤى بلمسات أم حنون وتداعب الحروف بدفء التأمل , وهذا ما ينم عن الرضا الذاتي بقناعة اقتدار أديبة بادواتها الشعرية المختمرة الخبرة لرسم لوحة فنية شعرية بتوظيف عناصر مهمة وتفعيلها في بناء اسلوب النص, من استعارة وتشبيه وترميز وغيرها ولنكمل من تداعب الشمس وبماذا؟ ...

_  نستوفي الجواب من جزء استكمال الصورة الشعرية الجذابة (بعنقها البلوري الناعم) تشبيه لأستهلال الحروف حين تتوهج أعتاب النص , فالشاعرة تتغزل بجمال وليدها الجديد والمتوقع بثقة عما سيكون عليه من بهاء وروعة بصورة شعرية رائعة الجمال وعذبة الوصف مكتملة المعنى متراتبة الترابط بمرحلة أولية لانهمار الحروف هاقد تحول الجنين الى علقة في رحم التكوين وهذا سيرورة نشوء لمخاض الحروف في طور التكوين , وقد استحوذ الزمن على تسلسل أطوار النشوء والمكان رموز من الطبيعية خلق بيان التضاد متزامن لمدار الرؤيا بطريقة شعرية مختلفة بمهارة نسقية وبراعة تخيل ومستوى اجرائي رائع لصورة شعرية مكتنزة بالمحسنات البديعية بحس شاعري, باستعارة مكنية تبعث التأويل على مدارات الفكر الأستقرائي بمستوى معرفة القارئ بمتعة التجديف بين ثنايا الجمال ليكتشف البعد الغائر من المعنى فيستبطن الدلالة بمستوى تأويله الثقافي وتفسير ما يستطيب من وقفاته الأدبية ومراجعه المعرفية ...
_ ولنكمل مراحل النشوء لرؤيا الشاعرة فاطمة ...

تدرجُ قدماها نحو اللانهاية الزرقاء

كحمامة تجمّع الدفء للزغاليل... و
تطير الفرحةُ العنقاءُ

 _ وبطاقة إيحائية تؤولها عذوبة الرؤيا وإلهام الخيال نتسلل إلى صورة شعرية جميلة بانزياح دلالي راقٍ هو (تدرجُ قدماها نحو اللانهاية الزرقاء) نستدل ما زال جنينها حيز النماء تسشعر به بإحساس كيان طبيعي فطري, اذ لا يختلف بولادته عن اي كائن آخر في الوجود ففي الصورة الشعرية الباذخة التميز والمتآلفة التدرج للأيحاء بالفكرة والمتممة لبنية الأنساق لعمق المضمون برهافة أسلوب وبدلالة التأويل ما زال النص يحبو النشوء فالحروف أصبحت (مُضْغة) تتمهل خطوات وليدة على مداد الزرقة صورة حقيقية لطبيعة ولادة كائن حي بفيض التأمل ينتظر التنفس من رئة الشاعر ويجري بشريان رؤاه ...

 _ ونستذكر تأويل اللون في الصوره الشعرية السابقة ( الزرقة المشفرة ) ونشير لتكراره في (نحو اللانهاية الزرقاء) جمالية رؤى بمنظومة فنية معتمدة أفق التخيل تأكيدا لنوافذها المشرعة على رمز الرؤى (البحر) وإشارة للأستعانة بلون البحر قصدية تحرك نواة التفسير والتأويل عن القارئ مما يدل قوة ترابط الفكرة للتركيز على إيحاء المضمون مع تماسك الأنساق وجميع الصور السابقة بمعمارية متراتبة التنظيم الأفقي والعمودي ...

 _وفي الصورة الشعرية (كحمامة تجمّع الدفء للزغاليل... و) نطوف مع رمز حي آخر تتحفنا به الشاعرة بدقة متناهية القصد ورقة أحساس بذكاء شاعرة متمرسة الحرف ببلاغة جمع الأستعارة والتشبيه, هو رمز (كحمامة ) التي تنبع بالشعور المطلق بتشبيه حرية بدأ الحياة , فحرف (الكاف)تشبيه صريح وبيان لغة ,و(الحمامة) مدلول رمزي للسلام ومنبع الأمومة بتفاصيلها الطبيعية ومكمن وجود وحضن الأحتواء, وبما يحمل من عمق دلائل نستشف من باطنه دلالة وجدانية على وشك اكتمال توالد لأبنائها الحروف تتمثل برمزية الزغاليل ,وهانحن على أبواب نضوج القصيد بوجهة رؤى الشاعرة وفلسفتها التكوينية, بدلالة تأويل كيان يحاكي عظمة خلق البشر, فالزغاليل حروف الشاعرة , إشارة تنفس تلابيب النص للحياة رامزة للسعي نحو التجدد والاِنبعاث الوجودي , مؤطر بدفء الأنوثة والاِحتضان الفكري للمعرفة الأدبية عبر الدفقات الشعورية الرقيقة, والتأويل باتجاهات عديدة يفتح مدى التفسير لنا وينفخ في روح الدلالة عدة استجابات ومداليل , فرمزالحمامة ممكن أن تكون هي الشاعرة فاطمة حين تستمد رؤى فلسفية لحروفها الزغاليل تلملم عناصر النص بروية لمسيرة خطوات الخلق ,فترحل لحياة رؤياها لتتهيأ لمخاض الحروف بحماس فلسفي ومقدرة شعرية لاحتواء رموز رؤياها ونسجها في عنوان وعتبات القصيدة لخاتمة تتنفس الصعداء لآخر نقطة من بحر الرؤى ...

 _ ومن ثم تروج لنا ببياض الفكرة استراحة فرضية لفكر القارئ وليتمطى ذهنه في انطباعات خياله لينال من شاعريته المعرفية وتثاقفه الفلسفي وما أحدث الاِستكشاف من أثر فني ليستنبط من رؤياه بما يود ان يبحر من بصيرة التأويل لظاهر الدلالات والغور في بحرها المتلاطم بفسحة أنفراج فلسفة ذاته وفق بنائه الذهني وإيحاء التأويل بمدار طاقة الرؤى وما تحدثه من عمق استقرائي فتتبعها ب (واو عاطفة) لاستمرار الحدث في حيز فلسفة الرؤى واستكمال رحلة النشوء ...

_  وبرحلة التأمل منعطف آخر تلمح به الشاعرة بعلامة سيميولوجية أخرى فتنحو بتوظيف رمز ميثولوجي من التراث والحكايات الشعبية باستعارة رمز أسطورة (يقول بارت إن الأسطورة هي نظام من التواصل انها لغة واصفة انعكاسية ,قول , دليل, رسالة) *5, نرى مستوى أ\إجرائي تضمن أنحراف قصدي غائر الدلالة لضرورة ترابط المضمون غُمِسَ بنسق النص بوعي قصدي ومرجعية معرفية لضرورة إيحاء دلالة معينة لمفهوم وتصورذهني للمتلقي لتأويلها الاستقرائي لمحاكاة أسطورة التكوين , فكيان (العنقاء) دال صوتي مبهر إيقاعي التواجد يشي بعمق فلسفي لمدلول يحيلنا لمبعث الحياة وولادة متجددة تتأجج من رماد السكون , وجنين فاطمة سعدالله يتمهل رويدا رويدا ليشرق قصيدة مدللة تتأنى الحضور تتغنج بين أترابها القصائد للشاعرة باستقبال مهيب حتى تكاد تلمسها بغبطة الحضور وتربت على اكتافها بالحنو مصافحة جيدها الخجول ...

 _ قد رسمت الشاعرة صورة شعرية رائعة الأنزياح الحركي بشخصنة وأحساس , لقد أنسنت رمزية القصيدة ومكنتها من الخضوع لشعورها الرقيق والتَماس العذب مع الحروف ككائن حي يستحق السمات الأنسانية والتي تبلغ به أوج أحاسيس الوجود الطبيعي, والذوبان الفلسفي في مراحل النشوء الفاطمي الرؤى , والتي توشك ان تصل إلى بر النهاية بخلاص المخاض وهاهو توحد الأحساس مع رمز الدلالة فكلاهما واحد ... 
ولنعاود رحلتنا مع رؤى الشاعرة إذ تقول ...
يقترف البحر غواية الهمس
يضعُ ذراعه الوثير / شخصنة
على خصرها الجفولِ .../
فتستكين

 _ نواصل مراحل أطوار نشوء القصيدة فالبحر محور البوح وباطن الرؤى لرحلة المخاض ففي الصورة الشعرية الآتية (يقترف البحر غواية الهمس) ,لمَ يقترف البحر؟ وماذا يقترف؟ الشاعرة دقيقة الاختياروقد فضلت الفعل المضارع (يقترف)لأنه فعل قوي التأثيرعلى القارئ منسجم مع باقي المفردات بانزياح رائع لتهب لرمز البحر بعدا آخر بفاعلية فلسفية ولتؤكد مسيرة النشوء , ولننحو لتأويلها باقترافه غواية الهمس فهو يهمس لها عذوبة الحرف ,وفي هذه المرة نرى الجواب قريبا بإغراء التأمل لفيض الحروف , وحقا له الهمس لأنه داناها الخيال وأقتناها الرؤى ففي همسه بشرى النضوج وتمام النشوء, مما يعني التواصل الفكري الفلسفي في ريعان الرؤى وما تسعى الشاعرة لتحقيق ما تعبر عنه بأنسنة البحر وشخصنته فنلمس عدة مستويات إجرائية بسمة ابتكارية فنية الجمال بغمار المعنى في نفس الصورة الشعرية تكثيف مدهش عميق, كما ان تكرار معجميته ظاهرة ايقاعية تموج بعدة صور مختلفة الدلالة يعطي ترابط بأنساق البنية وتداخل صياغة أجزائه بمضمون مكتمل الفكرة في تجربة الشاعرة لمتابعة دفقات التأمل بتتابع منطقي لأبعاد دلالية لرمزية البحر ونحن معها على رمض الأنتظار فلنتابع ...
تغوص في عينيه
تغوص في قلبه
تملأ فؤادها رواء وكفّيْها محارْ
أما الشاعرُ ... فيقف هناك
 على رمْضاء الانتظارْ

_ فالقصيدة ارتوت الرؤى وأكتست النضوج فاينعت روحها من عيني وقلب بحر الرؤى بصفوة أنسياب الفكرة ووضوح المضمون بأبجديات تأمل طبيعية الأطوار مدهشة المحاكاة لصورفطرية الوجود والنشوء لأي كائن حي , وقد راقصها البحر وفاء لرؤى اعتنقته مسرحا للخيال مهنئا بهدوء مخاض التأمل وخضوع القصيد بين أنامل الشاعرة فاطمة سعدالله , وحان الآن قص الحبل السري للرؤى الفلسفية للشاعرة ,مما يحيلنا على الاستشهاد بـــــ قوله تعالى من كتابه الكريم ( ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين )*6 ... 

_ وتبقى هناك فاطمة سعدالله بحنان ولهفة على مضض الانتظار تستقبل وليدها في زمن لا حصر له, مكانه الأحساس الغائر والفائض في جيد النص يستنشق مداد الحروف , وبتأكيد الأستعانة بعناصر الطبيعة ورموزها وانسنتها لتكن موضع الأحتواء لرؤاها ورحم الأنبثاق بمحاكاة ولادة بشرية ... 

_ وببيان المعنى ترتقي الصور الشعرية لخاتمة باِنتظار مشوق لينبعث كيان جديد اكتمل طورمخاضه فتجلي كائنا حيا وليد الفكرة وقد أبدعت الشاعرة برسم صورة واقع من عمق الخيال بفلسفة رؤى بمعاناة خلق القصيدة وتكالب المتعة ... 

_ وأجادت بشخصنة كيان النص وخلق توالد زمني له متسلسل الروعة بنشوء كائن من كائن , وبث الروح فيه ليحبو النمو ويترجل الحياة بعالم النص كائنا حسيا من دنيا اللغة , بمراحل خلق ونشوء وولادة فلسفية الرؤى ..

_ ولنعرج آخر المطاف على مدار استحداثي فعال بمستواه الأجرائي فيه طغىت الأفعال المضارعة على أنساق النص بأحصاء محايث , (تشرع ,تخلع,تنزل , تداعب , تدرج , تجمع , تطير , تحط , يقترف , يضع , تغوص , تملأ , يقف ) ,بظاهرة دلالية نستدل منها استمرارية الحدث الآني وتحريك الشعور, كما جاء تناسبها بإبداع مع تجربة الشاعرة الأدبية والفلسفية , وقد وظفتها بإتقان فعال ينسجم مع تناسق المعنى وإيغال الفكرة لكل صورة شعرية بأسلوب متقن الأنساق لتحفيز التواصل ...

_ وإن تعامل الشاعرة مع الحروف بلمسات رقيقة يدل على إحساس مرهف بدلائل المعنى ونعومة الوصف ببريق المعجميات المخملية المتعاقبة ببنية التشكيل النصي مثل (غلالة, الشمس, البلوري, الناعم ,الحمامة, الزغاليل, المدللة ,الخجولة, الهمس, الوثير, الخصر ,الجفول,) والتي تناسقت بجمالياتها الفنية وإيحائية عميقة بتكثيف الرؤى وللإبحار في خلجات الروح بشفافية الشعور وتفاعل فلسفي حريري الانفعال مبهر المتعة ...

_ هاقد تابعنا سيرة ذاتية لولادة كيان رؤيوي وذبذبات مخاض شعوري بفلسفة حسية فندرك بعد تمام الخلق إن نوافذ فاطمة لا تكاد تغلق حتى تنهمر رؤى أخرى من سواحل التأمل لذا فمدار مصراعيها مكتظٌّ بالحروف الرائعة ...

_ خاتمة / _ قد هيمنت رموز الطبيعة على بنية النص وتعددها أرسى جماليات الطبيعة ورسمت ظلال الوجود بتشكيله الفني المتعدد وقرينة دلائل معنوية ببراعة اِحتراف وإيقاع داخلي وخارجي متناغم بجمال البنى وتعدد أصوات الرموز, ببيان اللفظ وإيجاز التضمين وأدراج القصد وتكرار متلائم بأدوات بلاغية بارتباط أفقي متين وتسلسل عمودي مندمج البنية فكونا هيكل النص البديع فاستقام المفهوم , مما جرف متعتنا بشوق المتابعة والتواصل لأستكشاف دهاليز النص دون عناء والغوص في تلافيف الفكرة ... 
_ وكذلك نتوقع أن هناك الكثير من النشوء والخلق لنصوص غارقة في مداد الرؤى للشاعرة تنتظر مخاضا آخر في بحر التأمل تنبعث للوجود من نوافذها المشرعة دوما ...
_ النص بؤرة استجمام مدهشة للتأمل باستكمال عناصر النص ووضوح مقدرة الشاعرة لارتكازها على مراجع وعلوم معرفية مهمة اجتمعت وانسجمت لإستجلاء فكرة استثمرت منها كينونة نص بسيرة مخاض أدبي ,وهذا ما يبقى في ذهن المتلقي تأملا يافعا لشوارد فضوله بتاثير مبدع , وهو الهدف المقصود من شعرية النص ورمزية رائعة مبتكر الفكرة فيكون أيقونة رمزية نموذجية لولادة نص برؤى فلسفية أدبية فكرية .
انعام كمونة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق