الثلاثاء، 13 مارس 2018

حدائقُ المعلِّمِ .... ألوانُ قزحٍ : الشاعرة مرام عطية : مجلة اقلام بلا حدود: منتدى اصدقاء اقلام بلا حدود : :وصفحة مجلة اقلام بلا حدود:@ حقوق النشر والتوثيق محفوظة /2018


حدائقُ المعلِّمِ .... ألوانُ قزحٍ




 فلاحٌ مبدعٌ في حقولِ الطُّفولةِ الغضَّةِ ، يَعشبُ القفرُ على خطاهُ ، ويتَبرعمُ الزَّهرُ بسنا فكرهِ الراقي ، في سهولها العذراءِ يبذرُ العلمَ والمعرفةَ ؛ لتصيرَ سنابلَ جمالٍ وأشجارَ حضارةٍ 
و هلْ غيرُ المعلِّمِ واحةٌ خضراءُ في صحارى الحياةِ ، وجزيرةُ ضياءٍ تشعُّ نورا في بحرِ الظلماتِ .
 رأيتهُ أمسِ مع السَّحابِ في معبدِ الحبِّ يقدِّمُ قربانَ المعرفةِ من أباريقهِ المقدّسةِ المترعةِ بالحبِّ لصِبيةٍ يتعطشونَ لقطرةِ نورٍ ، ويتشوَّقون لشذا ابتسامةٍ 
وجدتُهُ يرسمُ بصوتهِ وقلمهِ  لوحاتِ الفنِ والإبداعِ على سبورةٍ صغيرةٍ لا تفارقُ يقظتَهُ ، فعرفتُ كيف تنداحُ ألوانُ العطاءِ بينَ يديهِ لتصوغَ المهندس والطبيبَ الباحثَ والطيارَ ، كما تتسعُ ألوانُ قوسِ قزحٍ على صدرِ السَّماءِ.
 مررتُ بساحهِ يمتشقُ الحرفَ والكتابَ ويحشو سبطانةَ قلمهِ طلقاتِ نورٍ ليصيبَ قلبَ الجهلِ وأذنابَ الخرافاتِ في عقولِ تلاميذهِ ،كما يمتشقُ الجنديُّ البطلُ سيفهُ في ساحِ الوغى في وجه الطامعين فيدميهم
 ماأشبههُ بالشَّمسِ يهبُ القُوةَ و القدرةَ لتلاميذه ويكتشفُ مواهبهم كما تهبُ الشَّمسُ للمخلوقاتِ النورَ والحياة و الطاقةَ .
شكراً لك أيها المعلمُ ؛ لأنَّكَ كُنتَ كالأمِّ بصبركَ وتعزيزكَ لبراعمِ المداركِ والأفهامِ  اتَّسعَ صدركَ لهفواتِ سنونواتكَ وأخطائهم تعلمهم الطيران رفَّةً رفَّةً ليحسنوا التَّحليقَ ، كما يتسعُ حنانُ الأمِّ لكلِّ سقطاتِ وزلاتِ ابنها الصغيرِ مشجِّعةً إياهُ على الحَبو و اللفظ السَّليمِ ؛ليمشي واثقَ الخطا وينطلقَ في الكلامِ ،
شكرًا ؛لأنك كُنتَ  أباً يمنحُ ابنهُ العونَ والقوةَ فيشعرُ بالأمانِ والثِّقةَ ، شكرًا لك لأنك كُنتَ طبيباً ناجحاً بينَ جدرانِ غرفتكَ الصَّفيةِ وخارجها ؛ ترصدُ ضعفَ صغاركَ ، و تشخصُ تقصيرهم وجنوحهم واصفاً العلاجَ الناجعَ لهم ، كما يشخِّصُ الطبيبُ نوعَ العلَّةِ في مريضهِ ، ويضعُ العلاجَ الصحيحَ لهُ 
 شكرًا لأنك كُنتَ الصيدلاني الناجحُ الذي يبتدعُ البلسمَ الشافي والترياقَ المداوي لجراحاتهم الموروثةِ قبل الولادَةِ وأمراضهم النفسيةَ العضالَ 
تستمعُ لشكواهم ، وتداوي انزواءهم وخجلهم 
الشديدَ ، ترممُ أخاديدَ نفوسهم ، وتحملُ أثقالَ آلامهم على كاهلكَ تدفعها بالتَّجلدِ والجهدِ والسهر ، فكم جفا النَّومُ عينيكَ و أنت تعتصرُ جفناتِ فكركَ بحثاً عن حليبٍ مغذٍّ إضافيٍّ من تفاحِ روحكَ وإناءٍ لائقٍ تضعهُ فيه لتسكبهُ في قلوبهم الغرثى 
كم مرةٍ رأيتُكَ تغدقُ في لمساتِ الحنانِ لوريقاتٍ هشةٍ منهم لتقوى إلى صفوفِ الزُّروعِ النَّاميةِ
مرحى لك أيها النَّهرُ المتدفِّقُ علماً ومعرفةً،  يامن لاتنمو زروعُ الطفولةِ إلاَّ على ضفتيهِ الخصبتين ، ولا تتفتحُ ورودُ السِّحرِ إلا بشذا مائهِ ، ولا تشدو عصافيرُ المعرفةِ إلا على أغصانِ شجرتهِ الثَّرةِ 
 ما أنبلكَ تحملُ صليبَ الكدحِ والمتاعبِ إلى الجلجلةِ بصبرٍ وحلمٍ مدهشينِ ؛ لتصوغَ لنا قيامة مجيدة من قبرِ الجهالةِ . 
سقاكَ الله ياملكَ الجودِ رحيقَ السَّعادةِ والرضى ، و منحكَ كنوزَ الصِّحةِ والطُّمأنينةِ .

 مرام عطية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق